حياة حلوة Dolce Vita

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  أغنية واحدة سمعتها في بار ساحلي وفي مخيم للاجئين.. فشعرت في الأولي بالإقصاء من حياة أجمل أراها عن بعد ولا أتداخل معها و في الثانية شعرت برفاهية مخجلة تجاه عالم أدرك قسوته و تعلمت ألا علاج لتلك القسوة..

شارع واحد بدأ من حي السيدة و بيت جدتي حيث كونت فكرتي الأولي عن العالم ثم إنعرج بي إلي ميدان التحرير في الثورة مسربلا بأغاني منير و الشيخ إمام..و أفضي دون مقدمات لمقهي جبلي علي شواطيء إيطاليا أحتسي الجمال علي مهل دون أي طموح لتغيير العالم..

نبتة خضراء واحدة زرعتها في قلب كل من آنست وجودهن و حرصت علي سقياها حتي مر القطار بمحاذاة الالفة ثم التوهج ثم الذبول و بقيت علي رصيف المحطة في إنتظار ما قد يأتي أو 
ربما لن..
 
نظرة واحدة حزينة و رسالة إستغاثة واحدة تشاركن فيها كل من أثرن إنتباهي فإنتابني شعور ما بأننا نستكمل حكاية ما قديمة مع إختلاف الأسماء..علي المقابل عرفت فتاة كانت تفقد ذاكرتها و تتغير شخصياتها كل صباح لأبدأ معها من الصفر مجددا حتي أصل لنفس النهاية من طرق أخري فكان أن : " ضيعتي الليالي تغزلي و تحلي "..
مقعد واحد بجانبي في السيارة تناوب عليه الكثير من الرفقاء في حيواتي المختلفة لا يجمعهم شيء من الطباع أو الصفات و إن ألقيت المراسي و ظننت أني ها هنا مرافقهم للأبد ثم إستاذن بعضهم في الإنصراف أو غادر السيارة في منتصف الطريق ثم أدركت أن تلك من مقتضيات الحياة فإصبر و تعلم..

فيض من النعم الإلهية لا تحصي غمرتني فأنقذتني من غباء إختياراتي التي كانت تقودني للهاوية ثم صححت مشيئة الله و أقداره المسار فأبصرتها بعد أن نظرت من شرفة المستقبل البعيد..و تجلت في عنايته من كلمات و مصادفات و رسل و بشر إلتقيتهم في الطريق..

خطأ واحد حرصت علي تكراره كل فترة فعلمت أن الإنسان حتي وإن ظن أنه قد إرتقي في سلم التطور فهو عرضة لسوء التقدير..و نجاته في إيقاف الشريط في وضع ثابت كل فترة ليعي أين أصاب و أين أخطأت قدماه الطريق..و في تسامحه مع تلك الأخطاء و إدراكه بإنها جزء أصيل من تكوينه إلي آخر العمر..

سمات شكلية واحدة أنظر للمرآة عبر الزمن فأجدها لم تتغير و إن تأرجح إيماني في تنكر واضح ما بين الأصولي ثم  اليساري ثم الجالس علي الدرج يتأمل مسيرة الحياة..
أشياء بلا حصر خبرتها حتي إحترت أيهم أنا..و ترسبت تلك الحيرة في قرارة نفسي حتي طالت إسمي المركب..
صندوق واحد بداخلي أحتفظ فيه بشخصيتين مختلفتين..لا تطغي إحداهما علي الأخري ..و إن ظل أبوللو المثقف الهاديء و ديونيسيس المتطلع للتجربة و الدعابة في حالة حرب باردة ..

لحن واحد علي مقام الصبا كان يدور في خلفية المشهد..بينما أجلس في الرابعة فجر العام الجديد في زقاق ممطر خالي في مراكش مع فتاة مصرية عرفتها منذ ساعات نفترش بيننا الخوف والحيرة في معرفة خرائط المدينة الخاوية إلا من السكاري و قطاع الطرق و مطالعة أخبار إنفجارات القاهرة..ظل اللحن في برلين و انا اتقاسم القلق مع مغتربة مصرية و انا لا أملك من أوراق الهوية و النقد شيئا فأترقب الغد بالتساؤل بينما كان قدرها أن أشاركها ساعات مرضها ووحدتها في أيام العيد فيهدهد كلانا روح الآخر..

شبح واحد كنت أعرف أنهم جميعا قد إلتقوا به و إن أتفقوا علي الكتمان..الفتاة التي إلتقيتها عبر تندر فتحدثت لساعات بلا توقف عن كل شيء إلا ما يخص الندبة الي تجيد مداراتها..و العجوز الذي إلتقيت في لشبونة المسافر عبر القارات ليقضي أيامه و لياليه في صالون الفندق بأوراق الكوتشينة يبحث عمن يشاركه اللعب..و الحلاق الذي يحتفظ بكراس صغير يدون فيه المفردات الإنجليزية التي يتعلمها أولا بأول حتي يراسل فتاة أجنبية جمعته بها الصدفة بعد أن فقدت هاتفها فكان أن أعاده إليها..

رحلة واحدة للحياة تبدل فيها الرفيق و الطريق..  سارت أيامي بعض الأحيان بلا منطق يبررها سوي فعل كل ما هو ممكن للهروب لضفة أخري بعيدا عن شعور يثقل الروح..و أحيانا أخري تركت الدفة لمغازلة الأمل فكنت ثملا بإقتفاء أثر سراب كان الزمن كفيلا بإظهار مدي سذاجته ..فوقفت علي عتبات الحلم ولامست القمر ملامسة " طلته ماطلتوش ايه يهمني ما دام بالنشوة قلبي إرتوي" ..رحلة واحدة للحياة محفوفة بهدايا السماء للوحيدين من لحظات دافئة عذبة كانت بمثابة الإستراحة علي جانب طريق السفر .. 

أتخيل يومي الأخير علي الأرض كفينالة فيلم " أسماك كبيرة " أو كلقطة سيريالية من أحد مشاهد فيلليني الإيطالية...مقطوعة بسكاليا في خلفية المشهد ..يتمترس علي جانبي النهر كل من عرفتهم في حيواتي الكثيرة..كل أحلامي التي انتهت بالتقادم..و كل من داهمني الوقت قبل أن أرتوي بأنسهم تمام الشبع..كل عداواتي التي آلت للنسيان ..وكل لحظات الإرتباك و الندم علي سيناريوهات كانت لحظة ميلاد لحياة أخري لكنها لم تكن حياتي..لا نملك التنبؤ بالأقدار لكن سمي الإنسان لنسيه و سمي القلب للتقلب..

ذاكرة ممتلئة تنساب كالنهر أحتفظ داخلها بلحظات إمتلأ بها الكأس نشوة و تراقص لها القلب..سأذكر م و هي تقرأ لي فصل للمخزنجي بعنوان " شيء جميل يحدث لك " علي مقهي نيلي فأنتعش بالنسمات و تنسكب كلماتها في روحي عسلا..نكهة الطعام في بيروت علي الشاطيء.. سأذكر لويزا تحدثني في طرقات غرناطة بلغاتها الأربع عن الموسيقي و تعقيدات المحبة..رحلة سينما نورماندي الصيفي بصحبة أبي في طفولة كنت أري العالم بها من خلال عيناه و دندنته ل " يا حبيبي كان زمان "..معجزات الرب في التعافي و في الكشف ..عبور قصر النيل في أحد أيام الثورة و حمل لافتات الحزب في الفعاليات..الوقوف في الصف الأخير في حفلات منير و الغناء بحماسة في أماكن لم يعد لها وجود..سأذكر ميلاد الأمل و تلاشيه ..

جملة عابرة من شابة لبنانية " بتسألني كيف الناس بيعيشوا ها الأيام  ؟.عايشة من قلة الموت "..أفضت لحوار عن الثورات و مسرحيات زياد و شخصيات لبنان المختلفة أوحت لي بالكتابة عن أحاديث لويزا في طرقات غرناطة ثم إنتهت بي ها هنا للكتابة عن اللا شيء أو عن " و عملت إيه فينا السنين " ..


Comments

Popular Posts