جناحات أدونيس


 

أقول لنفسي دوما إذا أردت أن تحقق شيئا فإفقد الكثير من الشغف علي الطريق ، إطو جناحيك قليلا ولامس الأرض ،إلتقط نفسا عميقا و إرتاح من الطموح المنهك و من شد ما يعجبك حتي أقصي مداه...
 
 تأمل خساراتك و إنظر كم من الوقت قد تسرب من بين يديك في طرق كنت لحوحا في المضي فيها حتي النهاية ،كم خسرنا بسبب رفض الهزيمة ؟.. مرة أخري ، ليس كل ما هو ممكن واجب ، ليس كل ما هو متاح بلا ثمن ، لا تصدق الصور اللامعة قبل أن تتيقن أنها ليست فخ ، و حتما ليست الخيارات دائما بين ما هو جيد و ما هو سيء ، تنبع الحيرة أحيانا من إختيار ما هو ضروري و ما يمكن الإستغناء عنه لتحقيق ذلك الضروري..كما يقولون كن كوحيد القرن ، يستجمع تركيزه علي هدف واحد ولا يضيع عمره علي حواف الأشياء كلها ..
 
في زيارتي الأولي كانت شكواي أن العالم مكان سخيف ، يخيرك علي الدوام بين الملل و بين التذبذب من قمة النشوة لقاع الحزن ، لا أحد يبقي ولا أحد يسهل إقتلاع جذوره بعد الرحيل ، لكل طريق تسيره بصحبة أحدهم كلفة الرجوع للوراء عند مفترق الطرق ، كلفة تتزايد كلما تغلغل أكثر بداخل الروح فزادت مسافة الرجوع ، تخبرني هي بأن ربما لكل تجربة ثمن , في النهاية الحياة تجارب تخوضها لتولد خبرة تخوض بها تجارب جديدة و هكذا ، فإذهب و إختبر الحياة خارج جدران ذاتك ..ربما كانت الملكة الأهم هي خوض الحياة مع القليل من الألم في الخلفية الذي ترثيه بحسب إيقاعك ..
 
في زيارة أخري كنت أخبرها أني قد أعدت صياغة دنياي بما يليق بالبصيرة المستجدة ، لا أطلب من الأشياء فوق ما قد تجود به ، لا أطرق بابا أعرف أني لن أدخله ، أتصادق مع الفراغ الذي يبقي في خلفية المشهد بعد إعادة ترتيب الحياة ، لا أسلك دروبا لا داعي لها فقط لتحسين الصورة الذاتية أو لإضافة المزيد من التشوش و الضجيج للهرب ..نجاتي هنا في الإزاحة و ليست في الإضافة ، في البصيرة و عدم نقل الأذي ككرة تلقيتها عن غير توقع فسارعت بإلقاءها لأول عابر علي الطريق..لكن كيف تكون الحياة في عالم لا يبادلك إبتسامات الصباح في شوارع المدينة ، لا يهبك صبره في طوابير الإنتظار و تقاطعات الطريق ؟ ..تبتغي الحق و العدل و الخير و الجمال فتشيد العالم فينهار فتوقن أن النوايا الطيبة لا تغيره فكيف تصبر علي ما لم تحط به خبرا ؟..تستوقفني مجددا ، أنت تبتعد ، فلتترك الحياة لتعتني بنفسها و العالم ليصحح مساراته أو لا يفعل ، أنت تبتعد لكن يسبق الوصول دائما التشوش فإصبر و أبصر..
 
في زيارتي الأخيرة كنت أخبرها أن بي إثنان لا يطيق كلاهما الآخر ، نفسي منقسمة عصية علي الرضا و السكون..أنا الذي يتوق للفوضي أحيانا ثم يقف جانبا نافرا منها ، يبغي النظام و الإيقاع المحدد مسبقا ثم يلعن من يخربون متعة الدنيا بقواعد معقدة ..أنا من أهرب من الوحدة ثم أنشدها وسط زخم البشر فيحتار البعض في فهم إشاراتي المتضاربة ..أسخر من العالم بينما يظن الناس بي الجد , ثم يطالع أحدهم كتاباتي فتملؤه الدهشة أيهم أكون الهزلي أم المتعمق؟ ..أصحو أياما بحماسة مبالغ فيها فأكون الكثير من الصداقات و أسلك الكثير من الطرق و في يوم آخر أستيقظ برغبة في البقاء في غرفتي بلا رغبة في أي مشاركة للعالم في صخبه ..أنزل بالبعض من علياء الحميمية لبرودة الغياب ثم يشتعل بي الجنون عند خسارة ما إعتبرته حق مكتسب من قرب ..أتنقل في رؤيتي للدنيا بين الغضب و الشفقة ، و في رغباتي بين الصيام و الإفراط ، وفي محبتي بين الوله و الإنقطاع ..أبتغي شيئا حتي التكرار المميت ثم أفقد إهتمامي فجأة كمن وصل للذروة ..
تبتسم هي لأول مرة ..الآن نبدأ , ربما إحتجت لزيارات عدة لألتقط طرف الخيط ، ربما تحتم علي الإرتباك في دوائر تقبع بالخارج حتي أصل للبديهيات يوما و تتضح الرؤية الداخلية بشكل أقل تشوشا ، ربما كان علي أن أغادر حتي أصل للحياة..يقولون أن العمر مفخخ بالإختيارات المتتالية أما نحن فنقول أننا إلي أن نري فنحن أسري ما نعتقد و نعتاد ، أسري ما نريد..كم من دون كيخوتة في هذة الدنيا ينهمك في صراعات ملحمية فيكتب الأشعار عن نبله و نضاله و معاناته ، ثم يكشف له الوقت زيف كل تلك الصراعات و إنه في النهاية ، ككل مبالغ في حماساته و يقينه ، لم يكن يحارب سوي ضلالاته ؟

Comments

Popular Posts