دروس عابرة

 

لعل من أهم ما تعلمت من السينما أن " حينما تؤول حياتك للخلل و التداعي فإبدا في هدم ما هو زائد لا في بناء ما هو جديد " ( فيلليني - فيلم 8 1/2 ) ..تلك إشارة واضحة من الحياة لأن تتخلص فورا من كل الضجيج الذي غزلته بغرض التشويش ، من الأفعال التي في ظاهرها تبدو حميدة لكن في باطنها ما هي سوي متطلبات الإيجو ، من إعتبار الرأي و الصورة الشخصية أشياء ينبغي الحرب لأجلها..هنا قائمة ما لا يجب فعله أولى و أهم من قائمة ما عليك فعله , مقتضيات الرحلة - من تلقاء ذاتها - ترسم المسار..

 

 

لعل من أهم ما تعملت من الإرتجال أن المشهد كاملا لا يشترط أن يكون في خيالك قبل أن تبدأ ، فقط تقرر البداية و مع الطريق تتضح الصورة ، بالطبع يسبق هذا الإقرار و القبول بأن ربما ، أقول ربما ، كان المشهد عاديا أقرب للإملال ، لكنه على كل حال أفضل من الإنتظار للحظة المثالية..هنا ليس مهما الخطأ الأول بل الأهم هو ألا يؤدي ذلك الخطأ لخيط من الأخطاء المترتبة عليه..

 

 

لعل من أهم ما تعلمت من الزراعة أن لا وصول هنالك ، مكونات الطبخة هي الصبر و المداومة ، تزيل جذور النباتات الضارة ولا تكتفي بالأوراق الظاهرة ..تصحو ف تلقي الصباح علي كل نبتة على حدة ، تراقب كيف نمت أو ذبلت ، كم تحتاج من السقاية و من العلاج و كيف تعبر عن عطشها أو إرتواءها ، ما هو الحد الأقصي لما تستطيع رعايته بشكل دائم ، كما قلت لا وصول لكن على الطريق ذلك أفضل جدا..

 

 

لعل من أهم ما علمني إياه عزف الموسيقي أن الصبر على عتبة الملل هو الجسر بين العازف الماهر و ذلك الذي أرهقه الإلحاح ، أن الإنشغال بالنغمات لا يغني عن الإهتمام بالإيقاع ، و قبل ذلك أن العزف في بعض الأحيان قد يكون للمتعة لا للجمهور.. في النهاية المقطوعة الجيدة هي تلك التي إخترتها تبعا لمقدرتك فأجدت فيها ما إستطلعت لذلك سبيلا..

 

 

لعل من أهم ما تعلمت من الكتابة أن الإنسان أعمى ، تشغله غايته عن واقعه ، ولا سبيل للنجاة سوى بمعاشرة الصمت أحيانا ، و السير لماراثونات تحت وطأة مشاعر غير مريحة دون إرتكاب أخطاء فادحة تندم عليها فيما بعد ..حين تشعر بالثقل ف تبدأ في التفكيك و الربط مجددا ، ربما من بين عشرة مشاكل واحدة هي المنبع فتغذي التسع الآخرين ؛ نصف الحل في التعريف الصحيح و السؤال المناسب ، ربما في الحوار عبر الورق مناجاة ضرورية للذات و فهم أكبر للحياة ، كما تعرف فمحطات الدنيا هي محطات فهم يتبعها فعل ، في ترجمة الفكرة الملحة للحاجة من ورائها ، في إدراك حجم الأزمة و ترتيب البيت من الداخل بحسب الأولوية و الرضا بما أعطته لك الأقدار و الوعي به أولا ، في إدراك ما تملك و ما تريد و ما تستطيع أن تصبر دونه في الدنيا دون إضافات براقة و حجب نورانية أو غير نورانية قد تطرأ في خضم المسار ..أو كما قال نيتشه " فيم ستفكر إذا أزحنا تلك الفكرة التي تلح في رأسك دون مهرب ؟ "