في هويد الليل
إنتهت الحفلة..أدركت ذلك متأخرا حين خفتت الأصوات من حولك وإختفي المحتفون بالحياة ثم تبقي من يستجمع قواه للنهوض و من يكنس بقايا ضحكات الليلة المنقضية..أدركته حين بحثت بجانبك عمن يصلح لفضفضة عابرة فلم تأنس لأحدهم و قررت القيام و إصطحاب قلقك لإقتناص ساعتين من النوم قبل أن تستكمل الطريق..
إكسير الحياة للمسافر هي تلك الليالي مع الغرباء , يصطفي بعضهم ليمرر يده علي ندباته ليحتفظ بشهود ما علي هزائمه و إنتصاراته..علي هامش الحياة " يسرق عمره من أحزانه "..المسافر غريب دوما..بما في ذلك من حرج قد يألفه حين يلتمس إنتماءا ما في محطاته علي الطريق..يعرف الغريب أنه ليس مدينا للعالم بشيء .. يجسر علي الرفض وقتما كانت دنياه مطعم سيء الخدمة و ينبذ ما يثقل قلبه فعله..لكنه في ذات الوقت لا يبالي دفع ضرائب صغيرة من حين لآخر و قادر علي تمييز متي كانت المشقة جزءا لازما من المسار..وفي كل هذا هو قادر علي زيارة تراكمات خطاياه و موروثاته و ماضيه بشيء من المحبة و الصفاء تجاه الكائنات من حوله و تجاه ذاته أولا..متحرر من ثقل صورته في مرايا الناس..درويش " غير تارك إقامة " فيبصر بوضوح عبث أن يزرع بذور ما في قلب أحدهم أو في تطلعاته للغد..لا زراعة مع سفر.. فينتهي به الأمر أن يجمع الكثير في ترحاله لكن دون أن يتعدي حواف الأمور.." صاحب بالين كداب " فكيف بصاحب الألف بال ؟؟..يحمل من كل مدينة قصة فيخرج من جعبته حكاية ما ليفترش الحديث مع من حوله و لكنه فهم أن غاية ما يسعي إليه هو الطمأنينة و ليس الإبهار في كلام يتوهج لمعانا من الخارج..
يدرك أن لكل تعلق ثمن يدفعه لاحقا من قتل للأمل و مراقبته يحترق عن بعد..يعرف أن لكل إختيار ضريبة..قد تؤثر السلام النفسي فتدرك أن من ضمن مهام تلك الوظيفة قضاء الكثير و الكثير من ليالي الملل و الوحدة..أو قد تندفع فتنشد قمم المتعة لكنك تبقي مستعدا لطعنات الألم مع كل نهاية..المسافر تعلم ألا يقف بحثا عن رفقة زائلة..لا يتوقع لطفا شحيحا ولا ينتظر من الأشياء فوق ما قد تجود به في عالم يحكمه ثقل الظل..يستكمل مسيره و يختبر قدره في من يلتقي و من يأنس و من يعادي..لكنه يعرف يقينا أن كل إيماءة و كل فكرة يلوذ بها و كل حلم يسعي إليه هو وليد من إلتقاهم في طريقه صدفة ف آلت به تلك الصدفة إلي شارع طويل وجب عليه قطعه فيمتن لأقداره حلوها و مرها..
فقط يتخفف من كل ما هو زائف و غير أصيل و يجاهد لأن يروي عطشه بشيء من الإكتفاء الذاتي..تعسة و مزعجة هي حياة من يرهقه ثقب ما بروحه فيضغط علي كل الأزرار لتتوقف الوحدة..وعي ذلك بعد طرق وعرة خاضها فآثر ألا يتعلق بحبال دايبة و إنبثقت منه روحا جديدة بعد كل رحلة..
تلملم أفكارك و تغفو قليلا و تصحو معافي من كل خيبات الماضي البعيدة..تفحص حقيبتك و تتخفف من كل ما قد يثقلك و تستأنف المسير..
Comments
Post a Comment